الاثنين، 25 أغسطس 2008

الفلاح قبل النجاح


أن تنجح أمر جميل ، مطلب مشروع لمن امتلك الطموح والرؤية والهدف ، وما أتفه من لا يطلب النجاح ويعمل من أجل اقتناصه .
بيد أن هناك شرك خفي يسكن بين ثنايا ذلك المطلب العظيم ، وهو أن يلهينا النجاح الدنيوي عن الفلاح الأخروي ، أن تسحبنا تيارات النجاح والتفوق والتقدير إلى أن ننسى أو نتناسى أن هناك غاية أسمى وهدف أرقى من مجرد النجاح الدنيوي الفاني .
إن المنهج الإسلامي ما برح يؤكد على حقيقة هامة جدا وهي أن الدنيا مطية المؤمن إلى الجنة ، وشرك المفتون إلى النار .
فهي زاهية متألقة ، بالغة الحسن والجمال ، رائعة المذاق ، خاصة لمن لم يرى سواها ، ولم يعايش معاني الآخرة ، ويرى الجنة والنار كما وصفهما الله ورسوله .


حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم بالغ في التشديد على أتباعه بألا ينساقوا وراء متع الحياة وزخرفها ، فنراه يقول صلى الله عليه وسلم : ( أبشِرُوا وأمِّلُوا ما يَسُرُّكم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم)). مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. .
هنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعني تطليق الدنيا كما قال غلاة المتصوفة ، ولم يطالب اصحابه بتركها لشياطين الإنس والجن ليعيثوا فيها فسادا ، وإنما طالبهم بالعمل والاجتهاد والرقي الدنيوي ، ولكن ليس للدرجة التي تجعلهم يهتمون بالمظهر دون الجوهر ، والتعلق بالسبب ونسيان الغاية الكبيرة .
إن المسلم يجب أن يحب الحياة كي يستطيع العطاء ، يجب أن يتعامل معها بجدية ويعمرها ويجتهد في جعلها أجمل وأروع مما كانت قبل مقدمة ، ولكن ليس على حساب العطاء الأخروي ، يجب أن يكون نجاحه في الدنيا سببا مباشرا في نجاحة الأخروي ، عبر التزامه بالمنظومة القويمة للخلق ، والتنمية المستمرة للضمير ، والتعامل بيقظة تامة مع النفس وشطحاتها .

لعلك ستدهش لو أخبرتك أن لو كان هناك لائحة كلائحة مجلة «فوربس» المهتمة بمجال المال والأعمال في العصر النبوي ، لكان على قمة أغنى أغنياء العالم عدد غير قليل من المسلمين المجاهدين ، والصحابة العظماء .
وذلك لأن المسلم ليس مقطوعا عن الدنيا ، أو كارها لها ، بل المسلم الحق هو من يملك الدنيا بين يديه ، ويأبى أن يضعها في قلبه أو يعطيها وزنا لا تستحقه .
الصحابي عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ، أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وثامن رجل يحمل لقب مسلم وهو في الثانية والعشرون من عمره ، هاجر للحبشة ، ثم إلى المدينة ولم يكن يملك في هجرته للمدينة من الدنيا سوى ملابسه التي تستر سوئته ، وكانت أول كلمة قالها بعد نزوله للمدينة ( دلوني على السوق) ، فأصبح ـ وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ـ من أغنى أغنياء المسلمين ، حتى أن طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَوْفٍ، قَالَ : كَانَ أَهْلُ المَدِيْنَةِ عِيَالاً عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: ثُلُثٌ يُقْرِضُهُمْ مَالَهُ، وَثُلُثٌ يَقْضِي دَيْنَهُمْ، وَيَصِلُ ثُلثاً.
ومع هذه السعة ، وذلك الرزق الكبير ، كان يشغل باله أمر الآخرة ، ولا ينسى أبدا عِظم الغاية التي يعمل من أجلها ، فنراه ذات يوم بجري إلى أُمِّ سَلَمَة َويسألها جزِعا : يَا أُمَّ المُؤْمِنِيْنَ! إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَكُوْنَ قَدْ هَلَكْتُ، إِنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالاً، بِعْتُ أَرْضاً لِي بِأَرْبَعِيْنَ أَلْفِ دِيْنَار.
قَالَتْ: يَا بُنَيَّ! أَنْفِقْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ: (إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَنْ يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ).

ولو فتشت يا صديقي في كتب السير ، وتأملت أخبار الصحابة والعظماء لوجدت منهم كثر أصحاب مال وجاه ، كأبي بكر الصديق وعثمان بن عفان رضي الله عنهم وغيرهم ..
ومع ذلك سترى ثبات أقدامهم على طريق الحق ، وروعة تسخيرهم للدنيا في سبيل الآخرة ، وكيف أنهم سيطروا على أطماع النفس والهوى ، فكانت الدنيا تحت أقدامهم جارية يأمروها فتطيع غير مسوفة .
إن ما أطمع أن تنتبه إليه يا صاحبي وأنت تسير في الحياة أن تهتم بالنجاح ، وتعمل من أجل الرقي ، ولا تتنازل عن أن تكون رقما صعبا فيها .. ولكن .
إياك أن تنسى أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة ، وأن أفضل الأساليب في التعامل معها هو معرفتها على حقيقتها ( محطة نستقل بعدها قطار اللاعودة ) ، حيث نسكن في دار الخلد .
وأن النجاح يجب أن يستتبع الفلاح .

الثلاثاء، 19 أغسطس 2008

لبيـــــك


بالرغم من انتعاشة كرامتنا وفورتها ..

وبالرغم من حفظنا لماء وجوهنا من أن يسيل مهدرا شيئا من عزتنا وكبريائنا ..

إلا أننا في حالات قليلة نضطر إلى أن نسيل ماء وجوهنا ـ وبلا تحفظ ـ على أعتاب من نحبهم ..

نكسر في بعض الأوقات الحظر المفروض على شفاهنا فتتوسل .. وأعيننا فتدمع .. وجباهنا فتتطأطأ ..

لا نحزن ولا نخجل من هذه التنازلات التي نقدمها بين يدي من نحب

فقط كل ما يهمنا .. ويقلقنا .. ويشغل بالنا ..

أن يقبل المحبوب هذا الفداء

الجمعة، 8 أغسطس 2008

هيء مكانا لسيارتك المرسيدس

هيئ مكانا لسيارتك المرسيدس ؟

أبغض المثالية المفرطة ، وأحب الواقعية التي تشعرني باحترام من يخاطبني لعقلي وإدراكي !.
من هذا المنطلق دعني أطلب منك يا صديقي أن تبدأ في البحث عن مكان مناسب لوضع سيارتك المرسيدس التي ستشتريها يوما ما ..!
لماذا تظنني مازحا ، أو واهما ، أو أحلق في الخيال ..
ما أود إيصاله لك في هذه الفقرة أن أحلامك الكبيرة يجب أن تنظر إليها بأهمية كبيرة ، وتراها شيء لا يحتاج سوى إلى ( بعض الوقت ) .


لمايكل أنجلوا الرسام العبقري عبارة رائعة تقول : الخطر الأعظم بالنسبة لمعظم البشر ليس في أن يكون هدفنا كبيرا عاليا لدرجة صعوبة تحقيقه ، وإنما في أن يكونا بسيطا متواضعا سهل تحقيقه ! .
نعم الخطر أن نرضى بالأحلام والأهداف المتواضعة ، بالرغم من أن قدرة معظمنا كبيرة ، ونستطيع بقليل أو كثير من الجهد أن نحقق ما ظنناه يوما ما شيء خيالي غير قابل للتحقيق .
إن المرسيدس لا تعني السيارة في ذاتها ، وإنما تعني كل حلم عظيم .
سواء كان هذا الحلم حفظ القرآن كاملا ، أو في أن تصبح مليونير ، فالأمر سيان ، حدد هدفا كبيرا وآمن به ، وابدأ في أخذ الخطوات التي ستوصلك إليه .
ولعلك لا تدرك حقيقة في غاية الأهمية والوضوح وهي أن الحلم الكبير لا يحتاج إلى مجهود أكبر بكثير من الحلم الصغير كي يتحقق .
نعم أن تصبح موظفا عاديا في دائرة حكومية ، تمارس عملا واحدا طوال سنوات عمرك ، لن يكلف أقل مما سيكلفك أن تصبح صاحب شركة أو تدير عملا خاصة .
فقط قليل من الجهد ، قليل من المخاطرة ، قليل من التعب والدراسة ، ولكن كثير من الشجاعة .

أرى هذا الأمر بوضوح مع أصدقائي من المؤلفين والكتاب ، فمنهم من يكتب كتابا رائعا وغاية أمله أن يبيع منه ألف نسخة كي يشعر بالسعادة والنجاح ، وهناك من لا يعترف بالنجاح البسيط ولا يهدأ باله قبل أن يتم توزيع خمسون ألف نسخة أوأكثر، والفرق بينهما ليس في قوة ما يحتويه الكتاب من معلومات وآراء وأفكار ، وإنما فيما يحتوي صدر كل منهما من طموح وعزيمة وإصرار .


النفس يا صديقي تهوى الراحة والركون ، والهدف الكبير يستفزها فتحاول أن تثنيك عن تحقيقه ، وتراهن على فشلها في بلوغه ، وتُظهر لك العقبات والمشكلات التي تنتظرك .
هنا يجب عليك أن تلجمها بلجام همتك ، وتثيرها بنشيد حماستك ، وتنقل لها شحنة الاصرار التي تحركك .
وستقابل بلا شك يا صاحبي من يحاول إثنائك عن تحقيق هدفك ، وخلخلة ثقتك في إمكانية الوصول إليه ، فلا تصغ إلى صوتهم ، ولا تهتم بأمرهم .


محمد بن أبي عامر كان شابا في العشرين عندما تمنى أن يصبح أميرا على قرطبة ، سخر منه أصدقائه وذكروه بأنه كاتب رقاع وأقصى ما يمكنه تمنيه ظل جدار في شوارع قرطبة يجلس إليه ليكتب رسائل الناس مقابل درهم أو درهمين .
وليست سوى سنوات قليلة إلا ويصبح محمد بن أبي عامر أميرا على الأندلس كلها لا قرطبة وحسب ، وينشى الدولة العامرية صاحبة الفتوحات الكبيرة والانتصارات الرائعة .

بل دعني أذكر لك مشهدا أثار العالم في فترة السبعينات ، ففي عام 1977 نُشر خبر مثير مفادة أن سيدة من ولاية فلوريدا بأميركا وتدعى لورا شولتز وتبلغ من العمر 63 عام استطاعت أن ترفع مؤخرة سيارة بويك لتحرر ذراع حفيدها من تحتها ، بالرغم من أن هذه العجوز لم تقم برفع شيء يزن ربع وزن السيارة الت رفعتها .
أثار هذا الأمر فضول كثيرين ، وذهبت إلى بيتها معظم وكالات الأنباء كي يجروا معها لقاءات تتحدث فيها عن تلك القدرة الخارقة .
وكان ممن اهتم بهذا الأمر أحد الكتاب المهتمين بالتطوير الذاتي وتنمية الشخصية ويدعى تشارلز جارفيلد ، فذهب إليها بيد أنه وجدها حزينة ومكتئبة ولا تريد التحدث في هذا الأمر ! ، فتودد إليها تشارلز ، إلى أن قالت له أنها حزينة جدا لأن هذا الأمر ـ رفع السيارة ـ قد حطم معتقداتها بما يمكنها تحقيقه ، وزعزع لديها بعض الثوابت الخاصة بما هو ممكن وما هو مستحيل .
وقالت له : ( إن ما يؤلمني أنني فعلت في هذا العمر شيئا كنت أراه مستحيلا من قبل ، فما الذي يعنيه ذلك ؟ ، هل يعني أن حياتي كلها قد ضاعت ولم أحقق أشياء كثيرة فيها كنت أراها مستحيل !؟) .

لقد توقفت أمام هذه الكلمة الأخيرة وسألت نفسي :
ـ هل يجب أن أرفع سيارة أو أفعل شيئا خارقا كي أثبت لنفسي أني قادر ـ وأنا في الثلاثين ـ من حفظ القرآن الكريم كاملا ؟ .

ـ ألا يجب أن أعيد النظر في مستوى طموحاتي لأرفعها عاليا ما دام تحقيقها ليس بالشيء المستحيل ؟ .
ـ هل يجب أن أولد غنيا ، أو أحترف السرقة كي أمتلك سيارة ومنزل جميل ومستوى اجتماعي يرضيني ؟ .
سبحان الله ، حتى المطمح الأخروي يجب ألا نتواضع فيه ، فهذا رسول الله × يخبرنا أن : ( إذا سألتم الله ، فاسئلوه الفردوس الأعلى من الجنة ) .

ولكل منا مطمح وأمل ، فاختر من أحلامك أكبرها ، ومن آمالاك أعظمها ، وتوكل على خالقك وسله التوفيق ، وأرنا عزيمة الأبطال .