الأربعاء، 25 فبراير 2009

هلك المتنطعون ..

هناك أناس نألفهم سريعا ، وآخرون نبذل جهدا خارقا ونحن نتكلم معهم.
الفئة الأولى هم أولئك الهينون اللينون ، الذين لا يتكلفون ، ولا يجبرون الناس على أن يعاملونهم بشكل فيه تكلف واصطناع .
والفئة الثانية هي تلك الفئة التي تأبى إلا أن تعامل الناس من برج عاجي ، وترفض أن تُنادى إلا بألقاب معظمة مفخمة .!
وتعامل الناس كأنهم دونهم في المرتبة ، وهم في الحقيقة أدنى منهم واقل شانا .
ومن طالب الناس أن يعاملوه كنابغة ، فإنه يدفعهم إلى الاستخفاف به ، والتعامل معه كمعتوه يحتاج إلى علاج !!!
ومن هابَ الرجالَ تهيَّبُوه ومن حقرَ الرجالَ فلن يُهابا
وذلك لأن البشر تكرةتكره المتنطع ، وتأنف المتكبر المغرور ، ورحم الله الشافعي إذ يقول : 'من ساما بنفسه فوق ما يساوي رده الله تعالى إلى قيمته' .
وما قيمة المرء منا إلا ما حواه قلبه من تقى ، وعُرف عنه من طيب خلق .. وكرم أصل ، ورحابة نفس .؟
إن كلمة السر أخي الكريم في هذا الباب أن تعرف قدر نفسك ، وتعامل الناس على سجيتك بلا تكلف أو تنطع .
.. كثير ما تغتر نفوسنا بالثناء والمديح ، وهي الأعلم بما اقترف صاحبها من إثم وخطأ، لكن سحر المديح يخدعها فتنخدع ، وتتصور أنها قد حازت الرفعة والسمو .
والأدهى أن تعيش في الوهم ، وتطالب الناس أن يزيدوا في خداعها ، ويكذبوا لها القول .
هنا يجب أن تُرد النفس إلى قدرها ، ويعود الرأس مطأطأ لله ، فيحترم الكبير ويوقره ، ويعطف على الصغير ويحنو عليه ، وإذا حاول أحد أن يغرر به حثا في وجهه التراب ، رادا الفضل كله لله .


حدث وان جاء ضيوف إلى أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ذات ليلة ، وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف : أقوم إلى السراج فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه ، قال : أفأنبه الغلام ؟ فقال : هي أول نومة نامها ، فقام وملأ المصباح زيتـًا فقال الضيف : قمت أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ذهبت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء ، وخير الناس من كان عند الله متواضعـًا .
وخليفة ، لا تخدعه مظاهر الملك ، ولا عبارات المحيطين به ، رجل خليق أن يكون خامس الخلفاء الراشدين .

الخميس، 19 فبراير 2009

عندما تنزلق الأقدام ..!

ذكر الإمام مسلم في صحيحة، أن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال : أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرضاً وأعطى أبا بكر أرضاً فاختلفنا في عذق نخلة، وجاءت الدنيا!.
فقال أبو بكر هذه في حدي، فقلت لا بل هي في حدي!.
فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم عليها، فقال لي يا ربيعة قل لي مثل ما قلت لك حتى تكون قصاصا.
فقلت لا والله ما أنا بقائل لك إلا خيرا .
فقال أبي بكر والله لتقولن لي كما قلت لك حتى تكون قصاصا وإلا استعديت عليك برسول الله صلى الله عليه وسلم !.
فقلت لا والله ما أنا بقائل لك إلا خير، فذهب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهرعت خلفه .
فقال أناس من أسلم يرحم الله أبا بكر هو الذي قال ما قال ويستعدي عليك !.
فقلت أتدرون من هذا؟، هذا أبو بكر هذا ثاني اثنين هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله لغضبهما فيهلك ربيعة قال فرجعوا عني وانطلقت أتلوه حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه الذي كان قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ربيعة ما لك والصديق قال فقلت مثل ما قال كان كذا وكذا فقال لي قل مثل ما قال لك فأبيت أن أقول له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فلا تقل له مثل ما قال لك ولكن قل يغفر الله لك يا أبا بكر قال فولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يبكي .

ـ الحديث السابق يجب ألا نمرره أبدا مرور الكرام، فهنا أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ربيعة الأسلمي رضي الله عنه، يحكي مشهدا عجبا، أنه كان له حقلا، وكان لأبي بكر رضي الله عنه حقل بجواره، وأنظر هنا وهو يصف حالهما في لحظة من لحظات الطمع الإنساني (وجاءت الدنيا) ..
عجيب حتى على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظم جيل على سطح الأرض، تخدعهم الدنيا، ويتشاجرون على سنتيمترات من الأرض، هذا يقول إنها لي، والآخر يقول بل لي .
إن العظمة تتأتى هنا من صدق وصف الحالة، وتهيب بمن وصل بأصحاب النبي إلى درجات التقديس، أن مهلك إنك تمنع عنا خير التأسي، وإلا فكيف نعرف الخطأ والزلل، وبأن طمع النفس قد يدخل قلوب الصالحين، وأن ليست العظمة في عدم دخوله للقلب، وإنما في كشفه سريعا، وطرده بعيدا، والندم وطلب الصفح في الحال .
عظيم هو أبي بكر رضي الله عنه، وهو يتحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ويطلب الصفح من صديقه .
هل تظنون أن العيب أنه قال كلمة سيئة ندم عليها، لقد محى العيب سرعة الإنابة، وأعطانا رضوان الله عليه درسا في كيفية التوبة والاعتذار .
هل رأيتم من قبل رجل يخاصم رجلا لأنه لا يريد أن يقتص منه، أبي بكر فعلها ..!
وهل جال بخاطركم أن يذهب للرسول صلى الله عليه وسلم، ليشكو له أن صديقه قد بخل عليه في رد الإساءة ؟؟! .
تالله لقد فعلها أبي بكر .

يا صديقي، لن أنصحك بألا تخطئ، فتلك نصيحة قد لقنك إياها قبلي الكثيرون، لكنني أأمل منك أن تتعلم من أبي بكر، درس الإنابة والتوبة .
أن تستشعر فزعته وقد تنبه لزلته، فاشتعلت في قلبه حمم الندم، وهاجت بروحه عواصف الخوف، فأقبل يرغم أنفه التراب، ويتوسل لمن أخطأ في حقه كي يطفئ ناره ويهدئ روعه .

الجمعة، 13 فبراير 2009

معرض مسقط الدولي للكتاب 2009




الجمعة، 6 فبراير 2009

الملك عاريا !


يُحكى أن كان هناك ملك مولع بالثياب الجديدة ، كان ينفق على ثيابه مبالغ باهظة ، وكان يهتم بلباسه أكثر من اهتمامه بمهام مملكته ! ، وذات يوم جاءه محتالان يدعيان أنهما نساجان ، وأنهم مستعدون لصناعة ثوب خاص ! . ثوب يراه الحكيم ، ويعمى عن رؤيته الأحمق ، يبصره من يستحق منصبه ، ولا يراه الشخص الغير صالح لمنصبه ! .
فقال الملك بعد تفكير : هذه ثياب رائعة بلا شك ، لو أمكنني الحصول عليها لأمكنني معرفة من في مملكتي يتسم بالحكمة والعقل ، ومن هم الحمقى والمغفلين ، ولاستطعت اختيار الأكفاء فقط حولي ، وطرد من هم غير جديرين بالعمل مع ملك عظيم مثلي ! .

ثم أمر من فوره بأن يبدأ الرجلان في عمل الثوب .
وأمر لهم بمبلغ باهظ كي يستطيعا البدء في العمل .. وبلا إبطاء .
فقام النساجان المحتالان بنصب نولين ، وأخذا في الانهماك في عمل وهمي ، يديران ماكينة الخياطة ولا يضعا فيها شيء ، ويخزنان الحرير الفاخر وخيوط الذهب الغالية التي أحضرها لهم الملك في مكان لا يعرفه سواهم .
وطار خبر هذا الثوب في أرجاء المملكة ، وبات الجميع في شغف كي يعرف كل واحد منهم مدى حكمة أو حماقة صاحبه ، ومن يستحق عمله ومن لا يستحقه .
وبعد فترة من بدء العمل المزعوم قرر الملك أن يرسل شخص إلى النساجان ليستطلع أمر الثياب ويحثهما على إنهائه ، وقال لفسه : لا بد وأن أرسل رجل حكيم رصين ، كي يستطيع رؤية الثوب . وليس هناك شخص في المملكة ـ بعدي ـ أحكم من الوزير العجوز ، إنه أجدر شخص أرسله ليستطلع الأمر .

وذهب الوزير الحكيم إلى القاعة حيث المحتالان يعملان بهمة على النولين الفارغين !
فقال في نفسه وهو يحملق في النولين الفارغين : عجبا ما الذي يفعله هذان الرجلان ، لا يوجد شيء في النولين ، والماكينة ليس بها خيط واحد ، سحقا .. إن الثوب لا يراه إلا الحكيم والذي يستحق منصبه فقط ، لا شك في أنني لست بالحكمة التي كنت أظنها ، فلأكتم الخبر ، وأخفي أمري إذن .
أيقظه المحتالان من خواطره وهما يقولان له : ما رأيك يا سيدي في هذا الثوب الرائع ، لم يتبق إلا أيام وننتهي منه ، هل أعجبتك الألوان التي اخترناها للملك .
فقال لهم الوزير بسرعة : هذا عمل رائع جدا ، نوع القماش ، والألوان ، هذا جهد ضخم ، يجب أن أخبر الملك به فور وصولي ، بورك فيكم !!! .

وأخذ المحتالان يشرحان له وصف الثوب وألوانه ، وهو يهز رأسه كمن يرى ويفهم ، وهو في حقيقة الأمر يسجل كل ما يسمع كي ينقله إلى الملك ، على اساس أنه رأى الثوب .
وطلب المحتالان مزيد من الحرير وخيوط الذهب كي يستكملا العمل فأمر لهم الوزير بما يريدان ، فوضعاه في مخبأهما ، واستمرا في العمل في النول الفارغ بهمة ونشاط .
وبعد أيام قرر الملك أن يرسل رئيس حرسه ليستطلع الأمر ، ولما لا وهو أحد أهم رجال المملكة ، وحامي الامبراطورية ، والرجل الثاني بعد الوزير ، من سيكون حكيم إذا لم يكن هو .

وبالفعل ذهب الرجل إلى هناك وحدث له ما حدث للوزير .
فقال له المحتالان : ماذا يا سيدي ، هل أعجبك الثوب كما أعجب الوزير ، فقال لهم بسرعة : نعم ، نعم ، إنها ثياب رائعة ، سوف أخبر سيدي الملك عن روعتها بكل تأكيد .
وهكذا تحاكت المدينة بأمر هذا الثوب الرائع الذي سيكشف به الملك الرجل الأحمق من الرجل الحكيم ، ويعرف من خلاله من يستحق منصبه ممن يجب عزله فورا !! .

وحانت ساعة الصفر ، وأعلن المحتالان أن الثياب جاهزة ، وقرر الامبراطور أن يكون هناك موكب كبير يطوف المدينة به وهو يرتدي ثيابه الجديدة .
وجاء المحتالان إلى الملك وهما يحملان على أكفهما الثوب المزعوم ، والناس تنظر إليهما في تعجب خفي ، وتُطلق شهقات الاستحسان والانبهار عاليا ، كي يثبتوا للجميع أنهم يرون الثوب ! .
ودخل المحتالان على الملك ، ففوجئ صاحب السعادة بأن أيديهما فارغه ، لكنه استدرك الأمر ، وقال لنفسه : تالله لن أكون أنا الأحمق وكلهم حكماء ، لن أكون أضحوكة الناس !! .
وقهقه عاليا ، ثم قال بصوت سعيد : جميل جداً هذا الثوب ، رائع عملكم أيها السيدان ، أنتما تستحقان أعلى أوسمة الإمبراطورية ، هيا فلأرتدي هذه الثياب وأخرج إلى الشعب المنتظر بالخارج .
وساعده المحتالان على ارتداء الثوب الوهمي ، وخرج الملك على شعبه .... عاريا !!!!

وطاف موكبه المدينة ، والوهم والخداع يسيطران على أذهان الجميع ، فالكل يهتف بإعجاب ، ويصرخ مستحسناً هذا الثوب البديع ! .
لم يجرء أحد على الاعتراف بأنه لا يرى الثوب ، كي لا يُتهم بالحمق ، وبأنه لا يستحق منصبه .
إلا طفل صغير .. هو الذي هتف مندهشاً : لكني أراه عاريا ! .
ثم صاح بصوت عال : إني أرى الملك عاريا .. أراه عاريا لا يرتدي شيء .
وسرعان ما تنقاقل الناس خبر الطفل الصغير ، وأخذوا يفيقون من وهمهم واحداً تلو الآخر ، وانكشف أمر الجميع .. والسبب طفل .

هذه القصة كتبها المبدع الدنماركي ( كريستيان أندرسون) ، ليكشف لنا من خلالها ، كيف أننا ونحن الكبار ، نحتاج إلى براءة الأطفال كي تكشف لنا ما عمينا عن رؤيته .
تخبرنا القصة كيف أن الخداع والتدليس يمكن أن ينطلي على شعب بأكمله ، بل ويشارك في صناعته وترديده .
إن الواحد منا يا صديقي يحتاج إلى استقلالية عقلية ، وتفرد ثقافي ، ومجموعة قيم ومبادئ ورؤى واضحة .. وثابتة .كي يصبح أكثر تحصننا أمام ضباب الأفكار المشوهة ، والصور المغلوطة .
كي يكون أشد حدة في محاربة الزيف والخداع والتضليل .
نحتاج أن نتمتع ببراءة الأطفال كثيرا ونحن ننظر إلى مجتمع تقتضي فيه ابجديات الحياة أن نلين الجانب ، ونغض الطرف عن الحقائق الثابتة كي نستمتع ببعض المكاسب .نحتاج قارئي الكريم أن نقول للملك إذ نره عاريا ، والكل يهتف بروعه لباسه ( إني أراك عاريا ) .