السبت، 22 ديسمبر 2007

الانكسار ( قصة قصيرة)


الانكســـــــار


هذه المرة أسمحوا لي أن أقص عليكم قصة تترجم بؤس الضعفاء ، من تأليف الكاتب الروسي الكبير: أنطوان تشيكوف ملك القصة القصيرة..

أسماها الساذجة .. واسميها
الانكســــــــــــــــار


طلبت - قبل بضعة أيام - من مربية أولادي ( جوليا فاسيليفنا ) موافاتي بغرفة المكتب.- تفضلي بالجلوس ( جوليا فاسيليفنا ) - قلت لها - كيما نسوي مستحقاتك .ويبدو أنك تلبسين رداء الرسمية والتعفف إذ أنك لم تطلبيها رسميا مني رغم حاجتك الماسة للمال ... حسنا ... كنا إذا قد اتفقنا على مبلغ ثلاثين روبلا في الشهر ...- قالت باستحياء : بل أربعين .- كلا .. اتفاقنا كان على ثلاثين ، دونت ملاحظة بذلك . أدفع إلى المربيات ثلاثين روبلا عادة . لقد عملت هنا مدة شهرين لذا ..- قالت مصححة: شهران وأيام خمسة -قلت بإصرار: بل عملت لمدة شهرين بالتمام والكمال - - لقد دونت ملاحظة بذلك ، وهذا يعني أنك تستحقين ستين روبلا يخصم منها أجر تسعة أيام تعرفين تماما أنك لم تعملي شيئا لـ ( كوليا ) أيام الأحد وكنت تكتفين بالخروج به للنزهة ... هناك أيضا ثلاث إجازات و ...ولم تعقب .. اكتفت المسكينة بالنظر إلى حاشية فستانها فيما كست محياها حمرة شديدة .. مانبست ببنت شفه - ثلاث إجازات فلنخصم من ذلك إذا اثنى عشر روبلا ... كما وأن ( كوليا ) قد مرض فاستغرق ذلك ثلاثة أيام لم يتلق عبرها أي درس ... شغلت إبان ذلك بـ ( تانيا ) فقط ، هناك أيضا أيام ثلاثة شعرت فيها بآلام في أسنانك ممضة اعفتك زوجتي خلالها من العمل بعد الظهر ... اثنا عشر وسبع يساوي تسعة عشر ، واطرحي ذلك فيتبقى بعد ذلك ... آ ... واحد وأربعون روبلا ... أصبح ذلك واحمرت العين اليسرى ( لجوليا فاسيليفنا ) ثم ... غرقت بالدمع ، فيما تشنج ذقنها وارتعش ... وسعلت بشدة ثم مسحت أنفها ... إلا أنها ... لم تنبس بحرف
قبيل ليلة رأس السنه كسرت كوب شاي وصحنه ، يخصم من ذلك روبلان رغم أن تكلفة الكوب هي في الواقع أكثر من ذلك إذ إنه كان ضمن تركة قيمة ... لا يهم ليست تلك هي أولى مامنيت به من خسائر ... بعد ذلك ونتيجة لإهمالك صعد ( كوليا ) شجرة فتمزق معطفه ، يخصم من المجموع عشرة روبلات ... كما وأن الخادمه قد سرقت - بسبب لامبالاتك حذاء ( فانيا ) ينبغي أن تفتحي عينيك جيدا ... وأن تتوخي الحذر والحيطة فنحن ندفع لك ثمن ذلك ... حسنا نطرح من كل ذلك خمسة روبلات وإني قد أعطيتك عشرة روبلات يوم العاشر من يناير - همست ( جوليا فاسيليفنا ): لم يحدث ذلكّ - بلى دونت ملاحظة بذلك - أجابت بنبرات كسيرة: حسنا.- فإذا ما خصمنا سبعة وعشرين من واحد وأربعين فسيتبقى لك أربعة عشر روبلا وغرقت بالدموع حينها كلتا عينيها فيما ظهر العرق على أنفها الصغير الجميل ... ياللبنية المسكينة
- قالت بصوت راعش متهدج النبرات: لم أحصل على مال سوى مرة واحدة - وكان ذلك من زوجتك . ماتجاوز ما استلمته ثلاث روبلات ... لا أكثر سيدي - حقا أرأيت لم أدون ملاحظة بذلك - سأخصم من الأربعة عشر روبلا ثلاثة فيتبقى لك أحد عشر روبلا ودفع إليها بالمبلغ فتناولته بأصابع مرتجفة ثم دسته في جيبها .قالت هامسة: شكرا -
سألتها: ولماذا هذه الـ ( شكرا )
- للمبلغ الذي دفعته لي .
لكنك تعرفين أني قد غششتك ... وأني قد سرقتك ونهبت مالك فلماذا شكرتني.
- في أماكن أخرى لم يكونوا ليدفعوا لي شيئا البتة
لم يمنحوك على الإطلاق شيئا ... زال العجب إذا ... لقد دبرت هذا المقلب كي ألقنك درسا في المحافظة على حقوقك ، سأعطيك الآن مستحقاتك كاملة ... ثمانون روبلا ... لقد وضعتها في هذا الظرف مسبقا ... لكن - تساءلت مشدوها - أيعقل ذلك أن يتسم إنسان بكل ذلك الضعف والاستسلام لماذا لم تعترضي لم كل ذلك الصمت الرهيب ... أيعقل أن يوجد في هذا العالم النابض بالظلم والأحقاد والشراسة إنسان بلا أنياب أو مخالب إنسان في سذاجتك وخضوعك. وابتسمت في ذل وانكسار فقرأت في ملامحها " ذاك ممكن " واعتذرت منها مجددا عما سببته لها من ألم وإحراج ، إذ إن الدرس كان قاسيا حقا قبل أن أسلمها الظرف الذي يحوي أجرها ... ثمانون روبلا تناولتها بين مكذبة ومصدقة ... وتلعثمت وهي تكرر الشكر ... المرة تلو المرة ثم غادرت المكان وأنا أتأملها وسيل من جراحات الإنسان المعذب في أرجاء غابة الظلم يندح في أوردتي وهمست لنفسي :
- حقا ما أسهل سحق الضعفاء في هذا العالم....

الخميس، 20 ديسمبر 2007

قطـــــــــار الحب


قطـــــــــــــارالحـــــــب

كتب / كريم الشاذلي

كلنا يهرول كي يركب قطار الحب
يقطع التذكرة، يعيد النظر إلى حقائبه للمرة الألف خشية أن يكون قد نسي شيئًا، يراقب عقارب الساعة وهي تأكل الوقت في بطء رهيب، حتى إذا ما دنا الموعد كنا أول من يقف على الرصيف نرقب سماع الصافرة معلنة قرب الإقلاع
نقطع الطريق في سرعة، لا يهمنا أن نصدم بكتف هذا أو معصم ذاك، تمتمات بالفم تكفي للاعتذار
المهم أننا الآن نجلس على مقاعدنا بعدما وضعنا الحقائب في المكان المخصص لها
بعضنا يبتسم.. بعضنا يغلق عينيه وقد بدا الخمول والكسل يداعب جسده من جراء التوتر الذي صاحبه خشية عدم اللحاق بالقطار
والبعض الآخر ينتبه في ترقب، منتظرًا حركة القطار التصاعدية كي يهنأ ويرتاح.
ولأن الرياح غالبًا ما تأتي بما لا تشتهي السفن، يرتفع صوت المكبر لنسمع صوت السائق قائلاً في أسف أن القطار لا يستطيع الحركة بعدما اكتشف العاملون في المحطة أن أجزاء كبيرة من الطريق قد سرقت قضبانها، وأجزاء أخرى ليس بها إلا قضيب واحد، وأخرى لم يوضع فيها قضبان من الأصل
وهنا تتبدل مشاعر الفرح بالحزن، والسعادة بالسخط، والأمان بالخوف، والضحكات بالصراخ، والأمل باليأس
ويرتفع صوت البكاء والنواح طاردًا صوت الضحكات والقهقهات التي كانت تسيطر على القطار منذ لحظات
وفي الوقت الذي يغرق فيه كثير من ركاب القطار في حزنهم وآلامهم، نرى فريق آخر قد تعافى من الصدمة، وتهيأ كي يعيد إصلاح ما فسد، والاستعداد لعبور الأزمة
وبغير قليل من الجهد والتعب استطاع هذا الفريق تهيئة الطريق، وإصلاح القضبان، وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الانطلاق نحو الهدف
وعندما جلسوا على مقاعدهم والعرق يتساقط من على جباههم، وصدورهم تعلوا وتهبط في تعب ومشقة، حدث شيء غريب.. فقد أعلن قائد القطار أنه لن يتحرك قيد أنملة قبل أن يهبط من العربات السلبيين الذي لم يحركوا ساكنا واكتفوا بسكب الدموع والبكاء والحسرة
وقال بلهجة حاسمة: قطار الحب لا يتسع إلا لمن مهد بيديه الطريق، وهيأ القضبان، ودفع ثمن الرحلة من عرقه وجهده.. وعلى كل من يريد أن يقطع الرحلة بدون جهد وتعب أن يمتطي دابة أخرى، من ظن أن الحب يتأتى بلا ثمن فهو مخدوع، ومن قال أن رحلة الحب مجانية فهو أحمق مفتون!، لا حب بلا ثمن، ولا سعادة بلا عطاء، ولا راحة بلا جهد
وانطلق القطار شاقًا طريقه، مخلفًا وراءه جموع من المساكين الذي لا زالوا حتى اليوم في انتظار رحلة أخرى مجانية، علها تقلهم إلى وجهتهم
من كتابي / جرعات من الحب

الأربعاء، 19 ديسمبر 2007

العقاب للأبناء



هل تضرب ابنك




كتب / كريم الشاذلي


قبل أن تجاوب على هذا السؤال دعني أسوق لك تلك الإحصائية التي تقول:
إن 95% من الذين يضربون أبناءهم لا يضربونهم لأسباب تربوية مقبولة، لكنهم يضربونهم للتنفيس عن غضبهم


كذلك فإن خبراء التربية أكدوا بأن الطفل الذي يعيش مهددا دائما بالعقاب الجسدي يفقد الثقة بنفسه.
والأدهى من ذلك أن يضرب على مشهد من أقرانه أو في حضرة الغرباء، أو أن يفضح بسبب خطأ ارتكبه.
وقد اتفق التربويون على خطأ العقاب البدني حينما يكون هو الأصل، وهناك من رأى بعدم مشروعيته من الأساس، وأنه لا يجب التعرض للضرب؛ لأنه يعقد الطفل ويزرع لديه الخوف وكثيرا من المشكلات النفسية.
ونحن نرى ابتداء أن آخر الدواء الكي، وأنه لا يجب اعتماد الضرب كوسيلة تربية إلا في حالة فشل جميع الوسائل الأخرى، والتي قلما تفشل إذا مورست بشكل صحيح.
إن كثيرا من الآباء يستسهل الضرب، فإذا تفوه الطفل بكلمة نابية أو كسر لعبته يقابله بصفعة يرتج لها كيان الصبي الصغير، وهذا في نظري جريمة.
وقد خاب ظن أولئك الذين يظنون أن القسوة تزيد الالتزام والطاعة، وأثبتت التجارب أنها تزيد الغباء والبلادة والعقد النفسية


إن الثابت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يضرب أحدا قط، فعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: والله ما ضرب رسول الله بيده امرأة قط، ولا خادما له قط، ولا ضرب بيده شيئا قط"


وفي الأدب المفرد للألباني -رحمه الله- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقبل ومعه غلامان، فوهب أحدهما لعلي رضي الله عنه، وقال: "لا تضربه، فإني نهيت عن ضرب أهل الصلاة، وإني رأيته يصلي منذ أقبلنا". بيد أن نهيه عن الضرب صلى الله عليه وسلم لا يمنع من أن يكون الأب ذا مهابة وقائما على بيته متعهدا له بالنصح والتربية، فنراه يقول صلى الله عليه وسلم للآباء: "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت" صحيح الجامع. فيرتدع المشاكس ويعود لرشده العقل اللعوب.
وأنا لا أحبذ الضرب أو العقاب البدني، غير أني لا أستطيع أن أنكر حاجتنا إليه في حالات معينة، كما تقدم لدينا في حالة الصلاة، أو التجاوزات الأخلاقية والعقدية، وأختلف مع كثير من التربويين الذين يحرمون الضرب تحريما قاطعا، ويرونه سببا في تعقيد الطفل وضمور شخصيته، وأرى أن هؤلاء مثاليين إلى حد بعيد، وأن الضرب إذا حصر استخدامه في حالات خاصة واستخدم بحد معقول فلا شيء فيه، ويقوِّم من اعوجاج الصبي.
وقديما قال العرب: "من أمن العقوبة أساء الأدب".
وقد اشترط رسول الله عند الضرب عدة شروط، منها: أن لا يكون الضرب قاسيا، وألا يزيد عن عشر ضربات كحد أقصى، وأن توزع الضربات على أجزاء البدن ولا يضرب في مكان واحد فيكون الألم شديدا، وأن يتجنب الأب الوجه فلا يصفعه، وفوق هذا كله لا يضرب وهو غاضب، وكم رأينا كثيرا من الآباء ارتكبوا جرائم ضد أبنائهم وهم غاضبون؛ بل إن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- كان يكتب إلى الأمصار "لا يضرب معلم القرآن فوق ثلاث؛ فإنها مخافة للطفل".
وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول للمؤدب: "لا ترفع إبطك" كي يكون الضرب خفيفا.
ويمكن تلخيص كيفية الضرب وكنهها بأن تكون شدة في غير عنف، ولينًا في غير ضعف.
وهناك طرق أخرى للعقاب يجب أن يعلمها الأب ويلجأ إليها كبديل عن الضرب، ومنها على سبيل المثال: الحرمان من الامتيازات، بأن يدرك الصبي أن وقوعه في الخطأ يعني حرمانه من مصروفه، والخروج مع أصدقائه وعدم مشاهدة برنامجه الكرتوني المفضل، وعدم الجلوس على جهاز الكمبيوتر.
هناك أيضا الزجر والتوبيخ والإعراض، بشرط أن تمارس تلك الوسائل بطريقة غير مبالغ فيها؛ فأخطر شيء أن يتعود الصبي على العقاب فلا يؤثر فيه الضرب أو التوبيخ، وهذا يحدث حين يفرط الأب في استخدام نوع معين من العقاب.
كذلك من الأهمية بمكان ونحن نتعرض للعقاب وأنواعه أن نضع في اعتبارنا الفروق الفردية بين طفل وآخر؛ فهناك طفل تضيق الدنيا به وتنكره نفسه إذا وجه له أبوه نظرة عتاب أو أعرض عنه وجافاه، وآخر يتألم إذا عبس أبوه في وجهه، وثالث متمرد لا يستقيم حتى يذوق العقاب الجسدي.لذا وجب على الأب ألا يترك تلك الطرق الناجحة ويلجأ لسواها، هذا مع الوضع في الاعتبار -وكما أسلفنا- أن تكون العقوبة بمقدارها، فالزيادة في العقوبة كالنقصان منها مفسدة للطفل

الأحد، 16 ديسمبر 2007

أشهر لا في تاريخ أمريكا



أشهر ( لا ) في التاريخ الحديث



كتب / كريم الشاذلي





في أحد أمسيات شهر ديسمبر عام 1955 الباردة جمعت (روزا باركس) ذات البشرة السمراء والتي تعمل خياطة حاجياتها وتجهزت للعودة إلى بيتها بعد يوم من العمل الشاق المضني



مشت روزا في الشارع تحتضن حقيبتها مستمدة منها بعض الدفء اللذيذ



التفتت يمنة ويسرة ثم عبرت الطريق ووقفت تنتظر الحافلة كي تقلها إلى وجهتها ، وأثناء وقوفها الذي استمر لدقائق عشر كانت (روزا) تشاهد في ألم منظر مألوف في أمريكا آنذاك



وهو قيام الرجل الأسود من كرسيه ليجلس مكانه رجل أبيض لم يكن هذا السلوك وقتها نابعا من روح أخوية ، أو لمسة حضارية ، بل لأن القانون الأمريكي آنذاك كان يمنع منعا باتا جلوس الرجل الأسود وسيده الأبيض واقف



حتى وإن كانت الجالسة امرأة سوداء عجوز وكان الواقف شاب أبيض في عنفوان شبابه ، فتك مخالفة تُغرم عليها المرأة العجوز



وكان مشهورا وقتها أن تجد لوحة معلقة على باب أحد المحال التجارية أو المطاعم مكتوب عليها



( ممنوع دخول القطط والكلاب والرجل الأسود)



كل تلك الممارسات العنصرية كانت تصيب (روزا) بحالة من الحزن والألم .. والغضب
فإلى متى يعاملوا على أنهم هم الدون والأقل مكانة



لماذا يُحقرون ويُزدرون ويكونوا دائما في آخر الصفوف ، ويصنفوا سواء بسواء مع الحيوانات
وعندما وقفت الحافلة استقلتها (روزا) وقد أبرمت في صدرها أمرا
قلبت بصرها يمنة ويسرة فما أن وجدت مقعدا خاليا إلا وارتمت عليه وقد ضمت حقيبتها إلى صدرها وجلست تراقب الطريق الذي تأكله الحافلة في هدوء



إلى أن جاءت المحطة التالية ، وصعد الركاب وإذ بالحافلة ممتلئة ، وبهدوء اتجه رجل ابيض إلى حيث تجلس (روزا) منتظرا أن تفسح له المجال ، لكنها ويا للعجب نظرت له في لامبالاة وعادات لتطالع الطريق مرة أخرى



ثارت ثائرة الرجل الأبيض ، واخذ الركاب البيض في سب (روزا) والتوعد لها إن لم تقم من فورها وتجلس الرجل الأبيض الواقف
لكنها أبت وأصرت على موقفها ، فما كان من سائق الحافلة أمام هذا الخرق الواضح للقانون إلا أن يتجه مباشرة إلى الشرطة كي تحقق مع تلك المرأة السوداء التي أزعجت السادة البيض



وبالفعل تم التحقيق معها وتغريمها 15 دولار ، نظير تعديها على حقوق الغير



وهنا انطلقت الشرارة في سماء أمريكا ، ثارت ثائرة السود بجميع الولايات ، وقرروا مقاطعة وسائل المواصلات ، والمطالبة بحقوقهم كبشر لهم حق الحياة والمعاملة الكريمة
استمرت حالة الغليان مدة كبيرة ، امتدت لـ 381 يوما ، وأصابت أمريكا بصداع مزمن



وفي النهاية خرجت المحكمة بحكمها الذي نصر روزا باركس في محنتها. وتم إلغاء ذلك العرف الجائر وكثير من الأعراف والقوانين العنصرية



وفي 27 أكتوبر من عام 2001، بعد مرور 46 سنة على هذا الحادث ، تم إحياء ذكرى الحادثة في التاريخ الأمريكي، حيث أعلن السيد ستيف هامب، مدير متحف هنري فورد في مدينة ديربورن في ميتشيغن عن شراء الحافلة القديمة المهترئة من موديل الأربعينات التي وقعت فيها حادثة السيدة روزا باركس التي قدحت الزناد الذي دفع حركة الحقوق المدنية في أمريكا للاستيقاظ، بحيث تعدَّل وضع السود. وقد تم شراء الحافلة بمبلغ 492 ألف دولار أمريكي.
و بعد أن بلغت روزا باركس الثمانين من العمر، تذكر في كتاب صدر لها لاحقاً بعنوان القوة الهادئة عام 1994 بعضا مما اعتمل في مشاعرها آنذاك فتقول



«في ذلك اليوم تذكرت أجدادي وآبائي، والتجأت إلى الله ، فأعطاني القوة التي يمنحها للمستضعفين.»
و في 24 أكتوبر عام 2005 احتشد الآلاف من المشيعين الذين تجمعوا للمشاركة في جنازة روزا باركس رائدة الحقوق المدنية الامريكية التي توفيت عن عمر يناهز 92 عاما.
يوم بكى فيه الآلاف وحضره رؤساء دول ونكس فيه علم أمريكا، وتم تكريمها بأن رقد جثمانها
بأحد مباني الكونجرس منذ وفاتها حتى دفنها وهو إجراء تكريمي لا يحظى به سوى الرؤساء والوجوه البارزة
ولم يحظ بهذا الإجراء سوى 30 شخصا منذ عام 1852، ولم يكن منهم امرأة واحدة.
ماتت وعلى صدرها أعلى الأوسمة ، فقد حصلت على الوسام الرئاسي للحرية عام
1996، والوسام الذهبي للكونجرس عام 1999، وهو أعلى تكريم مدني في البلاد
وفوق هذا وسام الحرية التي أهدته لكل بني جنسها عبر كلمة لا



أشهر ( لا) في تاريخ أمريكا

اخطفه قبل أن يخطفك


اخطفه قبل أن يخطفك

كتب/ كريم الشاذلي
من تقاليد البحارة القدماء أنهم إذا وجدوا حوتا كانوا يلقون له قاربا فارغا ليشغلوه به ، حتى إذا انشغل به اصطادوه على حين غفلة بيسر وسهولة


وهذه الطريقة الفريدة ينصحك بها اليوم علماء النفس


ينصحونك بأن تُلقي للهموم والآلام والأحزان قاربا فارغا كي تتلهى به إلى أن تصطادها


وأحد أهم هذه القوارب هو قارب الإيمان بالله ، والثقة بالنفس ، والصمود في وجه مصاعب الحياة
ويخصون الأحزان و الهموم التي لا تستطيعين عمل شيء حيالها ، وينصحونك بأن ترمي لها قارب الرضى بالقضاء والقدر ، فتحتار معها المصائب والأحزان ولا تجد لقلبك طريقا تسلكه


ضاحك الأيام إذا عبثت في وجهك .. وشاكسها إذا خاصمتك .. ولوح لها بكفك إذا أدارت وجهها عنك .. اصطادها بصبرك وحلمك وإيمانك بأن النصر مع الصبر .. أخبرها أن مع العسر يسر قبل أن تغرس فيك أسنانها المؤلمة



صديقي العزيز
في الحياة حيتان كثيرة ، ولديك من القوارب الفارغة ما يؤهلك لمغالبتها ، بشرط أن تدرك جيدا سر اللعبة ، وألا تلقي لها بجسمك بدلا من أن تعطيها قاربا فارغا تتلهى به


لا تستصغر نفسك


لا تستصغر نفسك
كتب / كريم الشاذلي

يُحكى عن المفكر الفرنسي ( سان سيمون ) ، أنه علم خادمه أن يوقظه كل صباح في فراشه وهو يقول
( انهض سيدي الكونت .. فإن أمامك مهام عظيمة لتؤديها للبشرية ! . )
فيستيقظ بهمة ونشاط ، مليئا بالتفاؤل والأمل والحيوية ، مستشعراً أهميته ، وأهمية وجوده لخدمة الحياة التي تنتظر منه الكثير .. والكثير ! .المدهش أن ( سان سيمون ) ، لم يكن لديه عمل مصيري خطير ليؤديه ، فقط القراءة والتأليف ، وتبليغ رسالته التي تهدف إلى المناداة بإقامة حياة شريفة قائمة على أسس التعاون لا الصراع الرأسمالي والمنافسة الشرسة
لكنه كان يؤمن بهدفه هذا ، ويعد نفسه أمل الحياة كي تصبح مكانا أجمل وأرحب وأروع للعيش

فلماذا يستصغر المرء منا شأن نفسه ويستهين بها !؟
لماذا لا نضع لأنفسنا أهداف في الحياة ، ثم نعلن لذواتنا وللعالم أننا قادمون لنحقق أهدافنا ، ونغير وجه هذه الأرض ـ أو حتى شبر منها ـ للأفضل .
شعور رائع ، ونشوة لا توصف تلك التي تتملك المرء الذي يؤمن بدوره في خدمة البشرية والتأثير الإيجابي في المجتمع .
ولكن أي أهداف عظيمة تلك التي تنتظرنا !! ؟
كل امرء منا يستطيع أن يجد ذلك العمل العظيم الرائع ، الذي يؤديه للبشرية
إن مجرد تعهدك لنفسك بأن تكون رجلا صالحا ، هو في حد ذاته عمل عظيم .. تنتظره البشرية في شوق
أدائك لمهامك الوظيفية ، والاجتماعية ، والروحانية .. عمل عظيم ، قل من يؤديه على أكمل وجه
العالم لا ينتظر منك أن تكون أينشتين آخر ، ولا أديسون جديد ، ولا ابن حنبل معاصر
فلعل جملة مهاراتك ومواهبك لا تسير في مواكب المخترعين و عباقرة العلم
لكنك أبدا لن تُعدم موهبة أو ميزة تقدم من خلالها للبشرية خدمات جليلة
يلزمك أن تقدر قيمة حياتك ، وتستشعر هدف وجودك على سطح هذه الحياة ، كي تكون رقما صعبا فيها
وإحدى معادلات الحياة أنها تعاملك على الأساس الذي ارتضيته لنفسك
فإذا كانت نظرتك لنفسك أنك عظيم ، نظرة نابعة من قوة هدفك ونبله . فسيطاوعك العالم ويردد ورائك نشيد العزة والشموخ
أما حين ترى نفسك نفرا ليس ذو قيمة ، مثلك مثل الملايين التي يعج بهم سطح الأرض ، فلا تلوم الحياة إذا وضعتك صفرا على الشمال ، ولم تعبأ بك أو تلتفت إليك
قم يا صديقي واستيقظ فإن أمامك مهام جليلة كي تؤديها للبشرية
من كتاب
( أفكار صغيرة لحياة كبيرة)