الأربعاء، 25 يونيو 2008

عفوا .. أنا لست الشخصية الساحرة !


لعل من أبرز السمات التي يمكن ملاحظتها وبقوة في عالمنا الاسلامي ، هو العاطفة الجياشة ، والتعامل بحميمية مفرطة مع كل ما يثير إعجابنا ، والتعامل كذلك بشدة وصرامة مع كل ما يتعارض مع ما ربينا عليه وتعلمناه وألفناه .


ما إن يستمع أحدنا لشيخ أو داعية ويُعجب به إلا ويصير هذا الشيخ في مرتبة من لا يُنقد ، ولا يجب أن يراه الآخرون إلا من ذات العين المحبة المعجبة .

ما إن يتعلق أحدنا بكاتب إلا ويجب أن توضع كتبه في جبين كل مكتبة ، ويرفع اسمه ليسكن بين النجوم ، ولا سماح بالمساس به أو نقده أو حتى مخالفته فيما قال ويقول .

هذه الآفة أزعم أنها أكثر ما يجذبنا إلى أسفل ..!


إن عدم الانضباط في المشاعر دليل خطير على مراهقة المجتمع ، وعدم تحليه بالنضج الذي يؤهله للفصل بين مشاعر الحب والود والاحترام من جهة ، والنقد البناء المنضبط القائم على التناصح والتغافر من جهة أخرى .

تعلمت في المنهج الإسلامي أن الحق المطلق غير موجود فيما عدا القرآن الكريم ، وما عداه أمور تقبل الأخذ والرد .

تعلمت أن نزن الرجال بالحق ، ولا نزن الحق بالرجال .

تعلمت أن كل البشر ـ أقول كلهم ـ غير معصومين ، وأننا يجب ألا نصدر بشأن أحدهم حكما نهائيا ، ولا نضعهم في مكانة ما ، بل نحسن الظن فيهم وندعوا لهم بالثبات والتوفيق .

الرسول صلى الله عليه وسلم ، يخبرنا أنه لا يجب الاقتداء التام بالشخص الحي ، أو إصدار قوانين بأنه قد أؤتي الخير والحق الكامل ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة .. مهما كان اسمه أو لقبه أو جماهيريته .

يخبرنا المنهج الإسلامي بأنه يجب الفصل بين القيمة والشخص الذي يدعوا إليها ، بمعنى أن الداعية أو الشيخ لا يجب أن يكون هو الإسلام ، فإذا ما سقط في اختبار من اختبارات الحياة فقد سقط الاسلام .

لا .. الإسلام يقول حاول جاهدا أن تتمثل القيمة التي لا تدعوا إليها ، ولا تقع في فخ الازدواجية ، كن كما تقول .. هذا بالنسبة للشيخ أو الداعية .

أما بالنسبة للمتلقي فيجب أن يأخذ الحق بغض النظر عمن تفوه به ، والفصل الناضج بين سلوك البشر وسقطاتهم ، وبين القيم والمبادئ المجردة التي يدعون إليها .


كلنا بشر نصيب ونخطئ .. فلماذا يرفع بعضنا بعضنا إلى مرتبة الملائكة والمعصومين ..


من حق من قرأ كتاب الشخصية الساحرة أن يتوقع من المؤلف أن يطبق ما يقول ، بيد أنه ليس من حقه أن يفترض فيه العصمة الكاملة التامة .. وألا يتعامل معه على أنه النموذج الأفضل للشخصية السوية الجذابة .

فالمؤلف بشر ، له أخطاء وسقطات ..

نعم من حقنا أن نحاسبه إذا ما وجدنا منه ازدواجية وتعارض مع ما يكتب .. لكن لا يجب أن نظن فيه الكمال .

ما دعاني لهذا القول هو بعض الرسائل التي تأتيني من كثير من الاخوة والاخوات عبر بريدي الاليكتروني ، وهاتفي الجوال ..

يحزنني ـ على عكس ما قد يتوقع البعض ـ الثناء المغالى فيه ، والتعامل معي بعاطفة مفرطة .

رسالة تقول : قرأت كتابك جرعات من الحب وأراه سقطة في مشوارك ، وأنه يجب ألا تعيد طباعته مرة أخرى .. وإلا فاترك القلم !! .

وعندما أرسل للقارئ ـ أو القارئة ـ بتساؤل عما لم يعجبه في الكتاب يقول ( قليل الأدب) ! .. فقط ولا يزيد عليها .

ورسالة أخرى تقول : كريم شكرا لوجودك في الحياة .. أنت هدية لنا من السماء ...!!!

أو أخرى تقول ( وأعتذر للنقل ) : لقد قرأت كتابك إلى حبيبين ، ليتني أنعم بزوج مثل كاتب هذه الكلمات !! .

مع احترامي الكامل لكل من يثني وينقد ، إلا أن للثناء وللنقد أصول وأسس ..


الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( احثو في وجه المداحين التراب ) ، هل معنى هذا أن لا نثني على العمل الطيب ، إطلاقا ، بل يقصد صلى الله عليه وسلم عدم المبالغة في المديح والثناء والتمجيد .. فكلنا بشر .. ولعلي أصدق ذات يوم أني هدية من الله ..أو كوني عبقري زماني .. فتكون الكارثة .. وتتحملون وزر شطحاتي .


وفي المقابل للنقد اسس وآداب ، ولا يعيب العمل وجود خطأ أو ذلة ، بل يجب توضيح العيب ، وافتراض حسن الظن في الشخص ، وجعل النصح لله ..


انه الانضباط العاطفي يا أصدقائي ما أريده ..

فأنا .. لست الشخصية الساحرة ..!

هناك 11 تعليقًا:

واصطنعتك لنفسي يقول...

بتفق مع رأي حضرتك تماماً وقد استدعت كلماتك لذهني نقطتين من أهم ما تعلمته في حياتي:

الأولي: فكرة الشخصية Maxmizer,و Minimizer والشخصية الماكسميزر هي التي تبالغ في ردود أفعالها بشكل واضح وتعبر عن مشاعرها بشكل قوي سواء في لحظات الفرح أو الحزن والاعجاب أو الكره..والمينميزر هي النقيض.. كلما اقترب الانسان من التواجد في منطقة ما بين النمطين كلما اقترب للتوازن وللاتزان العاطفي والعقلي..وكلما ابتعد وسيطرت عليه احدهما دون الاخري كلما اصبح شخصية اكستريم..وحقيقة أنا اعترف بكوني احدي الشخصيات الاكستريم ولكني اعمل جاهدة علي الذكاء العاطفي لمعالجة هذا الأمر

النقطة الثانية: كنت سمعت للشيخ محمد حامد في محاضرة له أهمية عدم تتبع شيخ واحد والاخذ برأيه فقط وتنزيهه عن الخطأ..فهذه فكرة مغلوطة تماماً لأن كل انسان تحركه احياناً بعض الاهواء والظروف..فلا نمشي وراء أحدهم تاركين له زمام قيادة النفس..فكرة الاتباع التام هي فكرة تحمل جانب من الخطأ

وبخلاف الفكرتين السابقتين فأعتقد أن ما نحتاج تعلمه حقاص هو قواعد النقد وأصوله..كيفية النقد الصحيح لإن هذه هي المشكلة الاساسية الآن..فلو عرفنا كيف نقد لاستطعنا تطوير الامور ورفع كفاءة الاشياء بشكل سريع

وما أصعب الثبات علي الانضباط العاطفي..فالتقلب من سمات البشري..الله المستعان

مقالة تحمل أفكار قيمة تستحق الترسيخ في المجتمع

جزاك الله خيراً

إيمان

أحمد الديب يقول...

الله يفتح عليك يا أستاذنا!
بس إيه الصور الجامدة أوي دي؟
;)
برضه الساحر ساحر ولو وقف أدام القطر
:)

كريم الشاذلي يقول...

أشكرك يا ايمان
تحليل جميل .. استفدت منه

كريم الشاذلي يقول...

شكرا يا دوك احمد ..
تسلم ايد اللي صور ...

Ma7moud So3ody يقول...

كريم بجد مدونتك جوها عالي اوي

انا في حالة عدم تركيز دلوقتي علشان اقرا البوست ده

لكن انا متأكد انك شخصيه قويه
فمش هاتكتب غير حاجه اقوى

تحياتي

كريم الشاذلي يقول...

أشكرك يا سعودي .. سعيد بمرورك .. منتظرك مرة أخرى

Media Power يقول...

المشكلة فى الشعوب العربية انها بتتعامل بالعاطفة ولما بتشوف حد مثلا فهى بتقتنع بيه وتبدا فى تمجيده وتقديسه لدرجة انهم يعتبروه انه ملاك وليس بشر وانه دائما على صواب واذا قام احد بتوجيه النقد اليه طبعا تبدا الحرب انه ازاى يتكلم عنه وازاى بوجه ليه النقد

بس لو ممكن تسمح ليا ايه هو تعريفك للشخصية الساحرة ببساطة عارفة ان الاجابة موجوده ف كتاب بس انا عايزة نقط رئيسية لو امكن يعنى

Sayed Hamed يقول...

السلام عليكم
أتفق معك يا أستاذ كريم فى كل ما تقول
الاعجاب المبالغ يدفع المرء الي التعصب , والتعصب يعمي البصر
وهذا شئ في غاية الخطورة

هبة النيــل يقول...

أتفق معك تماما يا أستاذ كريم

والمصيبة الكبرى في بعض الآباء عندما يضعون أنفسهم داخل إطار "انعدام الخطأ" ثم يفاجأ الأبناء بحقيقة أنهم "بشر" يخطئون كما يفعلون الصواب

أستاذ كريم

أحيانا يصل بنا وضع الناس أو أنفسنا داخل إطار أراه ببعض الأحيان والعياذ بالله نوع من التأليه

كلمة لهؤلاء الناس الذين يعتقدون أنهم لا يخطئون وأيضا للذين يعتقدون أن هناك من لا يخطيء

أنت بشر إذن محتمل الخطأ لأنك لست ملاكا

شكرا أستاذ كريم

غير معرف يقول...

أضحكتني يا فتي :] ..!!:):)

لا بجد ضحكت علي الرسايل اللي كلها مشاعر مراهقه ..

إن من سمات المراهقه .. الانبهار السريع ..
و إتخاذ المشاهير قدوة و المعروفين منهج .. لمجرد أنهم معروفين .. "يبقي خلاص وصلوا"
و هي ثقافة الألهنه في رأيي أن تضع أحدا في منزلة الآلهة -إن صح التعبير- لا يخطيء و لا يستطيع أحد نقده .. لأنه أشرف من الكلام عنه..

كثيرا ما يضايقني كتاب يسمي "سقطات فلان الداعيه" .. أو سي دي يباع علي الأرصفه اسمه "أخطاء الداعيه الفلاني" .. فأصدقائي في الخارج -ممن احترموا الدين الإسلامي من خلال تعاملهم معي- أحيانا يخلطون بين هذه و تلك .. و عندما شرحت لهم وجهة نظري التي تتشابه كثيرا مع ما تقول أن الانسان لا يمثل الفكره و لكنه ينفذها .. اقتنعوا و بدأوا بالتعرف علي الدين الذي يقال عنه أنه دين الإرهاب علي وجه غير الحق

التفكير في أحد و كأنه الملاك المنزل .. مؤرق جدا بالنسبه لهذا الشخص .. -إن كان ممن يحاسبون أنفسهم- فوضعه في صورة ملائكيه .. يجعله يقع في دائرة من ثلاث دوائر ..
إما أن يحاول إرضاء جميع الناس -و هو أمرا ليس بمستحيل و لكنه يتطلب الكثير من التنازلات- .. فيسقط لأنه حاول أن يصبح آلهة يوما ما ..
إما أن يبتعد لأن الناس قد نصبوه إلها .. و هو لا يستطيع تلبية صلواتهم.. فتنحي جانبا.. و في رأيي هو الحل السليم .. و إن كان أحيانا يجعلهم يعتقدون فيه أكثر
و إما أن يفترش أخطاؤه أمامهم .. فإما أن يستمع إلي سبابهم و لعناتهم .. أو يتمسك به بعض مما صدقوا به صدق كامل -مش بقولك مراهقه!!- فلا يفرق معهم هذا أو ذاك و يستمرون في التعامل معه علي أنه الآلهة

لا أستطيع أن أجزم أنني لم أمر بتلك المراهقة .. فقد مررت بها و لكني -حمدا لله- سرعان ما أفقت من ذلك لأنني رأيت أن كل البشر ليسوا معصومين من الخطأ .. و جميعهم خطاؤون .. و لا توجد ملائكه بشريه .. و إن حاولت التعامل حتي علي أنك من تلك الفئه .. إما أن تتناسي أخطاؤك.. فلا تطلب لها الغفران أو تحاول إصلاح ما أفسدته .. أو سيأخذك الغرور لأنك تستطيع العيش في الثياب الملائكيه .. فيطيح بك بطش أحدهم .. لأنه بشر..

كذلك مررت بجميع الحالات التي تكلمت عنها في تعليقي هذا ..


قال أحدهم أنني ذات شخصية متميزه ..فهل سأصدقه إذا ؟!!
آسفه للإطاله..
تحياتي،،
ياسمين

غير معرف يقول...

هبة النيل كمان بتقول إنه نوع من التأليه .. الحمد لله مش أنا لوحدي اللي بقول :]