كتب: محمد الشرقاوي
ويرون أنه لابد من إعادة الحيوية إلي الوطن.. وضخ دماء الشباب في شرايينه وتبدو كلماتهم يائسة.. وكأنهم لا يرون النصف الآخر من الكوب.. ويكتفون فقط بالبكاء علي اللبن المسكوب.. مع أنهم لو دققوا النظر في أحوالهم هم فسوف يجدون أن أعمار هؤلاء الذين يهاجمونهم بعنف.. وينتقدون أوضاع البلد بشراسة.. هم دماء جديدة.. وهم بكل المقاييس دماء شابة.. في شرايين الوطن..
أكثر الناقدين.. والغاضبين.. شباب يغوص في قاع المجتمع.. ويكتب بحرية لم نر مثلها في سنوات سابقة.. حتي الكتب التي توزع الآن في كثير من المكتبات يؤلفها شباب ربما لم نسمع عنهم.. اذهب إلي المكتبات في المولات.. ومعارض الكتب.. وسوف تجد أن أكثر الكتب مبيعاً.. يعدها أو يؤلفها أسماء جديدة.. ومضمونها جديد.. توزع بأعداد تفوق أحياناً ما كان يوزعه كتاب لأديب مشهور.
تتواري الآن في تلك المكتبات مؤلفات الكبار أمام نوعية جديدة تخاطب جيل التقنيات والوجبات السريعة.. والبحث عن المال بأسرع وسيلة.. انظر إلي العناوين ستجدها تصب في إطارات متقاربة.. تبدأ بتنمية الموارد البشرية.. ولا تنتهي بنصائح حياتية.. مستمدة من الدين.. والتاريخ.
د. أحمد خالد توفيق.. واحد من أهم المؤلفين توزيعاً في مجال قصص ما وراء الطبيعة.. وقبله بالطبع الأكثر شهرة الدكتور نبيل فاروق.. هناك أسماء أخري عديدة لا يعرفها الكثيرون.. أسماء لمعت علي الإنترنت مما دفع بعض دور النشر إلي طبع كتاباتهم وتوزيعها.. مثل غادة عبدالعال.. وهناك مؤلفون ضيعوا سنوات من عمرهم يقرأون ويستخلصون من أمهات الكتب أفكاراً رأوا أنها تفيدهم في حياتهم.. وفكروا أن ينقلوها إلي الآخرين فطبعوها.. ومنهم محمد فتحي.. وكريم الشاذلي..
علي أن الأهم من كل ذلك أن بعض هذه الكتب يرتفع سعرها إلي أعلي من أسعار كتب عمالقة الفكر العربي..
قادتني صدفة جيدة هذا الأسبوع إلي إحدي المكتبات بأحد المولات الكبري وهناك لا تجد كتب العقاد وطه حسين.. ولا حتي نجيب محفوظ.. ربما لأن مكانها في مكتبات وسط البلد.. أو دور النشر القومية.. وربما أيضاً لأن الذين يرتادون هذه النوعية من المكتبات يبحثون عن كتب ليست تراثية.. كتب في مجال تنمية الشخصية والتطوير الذاتي.. كتب مطبوعة بألوان زاهية.. وأغلفة فخمة.. التقطت أحد هذه الكتب وكان ثمنه 25 جنيهاً وحجمه بالقطع المتوسط ولا يزيد عدد صفحاته علي 224 صفحة "ورق أصفر.. وعليه رسوم خضراء" ومنسق بدقة.. يجذبك لأن تشتريه حتي من قبل أن تعرف محتواه..
الغلاف كله عليه صورة المؤلف وهو شاب. تقرأه لأول مرة.. كريم الشاذلي هو لم يُعرِّف نفسه داخل الكتاب.. بل ترك صورته بالغلاف والكتاب يتحدث عنه.. أفكار صغيرة لحياة كبيرة.. هذا هو عنوان الكتاب.. وأسأل نفسي: هل عرف هؤلاء الكتاب الشباب كيف يخاطبون الجيل الجديد.. الذي لم يعد يطيق أن يقرأ جملاً صعبة.. وكلمات تحمل أكثر من تأويل؟.. هل استطاعوا أن يجذبوا هذا الجيل الذي يريد أن يفرغ من قراءة كتاب خلال رحلة من القاهرة إلي الإسكندرية.. أو إلي شرم الشيخ؟..
الكتب التي تتصدر المكتبات تقول إن بعضها أعيد طبعه أكثر من مرة.. ماذا يقول كريم الشاذلي في كتابه الذي يستحق التقدير؟.. في البداية تجذبك كلمات رقيقة في إهدائه الخاص يقول: "إلي من أري في عيونهم كم أنا جميل.. أحبكم.. كريم"..
تأمل كلماته الشاعرية وهو يخاطب قارئه في بداية الصفحات: "أحرفي هذه المرة مزيج من روح أيامي.. وآلام تجربتي.. وصيد تأملاتي.. وسجل ذاكرتي".. .. الكتابة عمل ثنائي يشترك فيه قلم الكاتب مع عقل القارئ لينتج معادلة النجاح.. أبغض التلقين وأكرهه.. وأري أنه استهتار بالعقل وتعطيل للفكر.. وإرهاق لطاقات وقتل لموارد.. واعتداء علي المواهب.. لذا أجد نفسي حانقاً علي حال التعليم في وطننا العربي.. والذي يخرج لنا أجساداً ترتدي شهادات.. وبعد 12 صفحة من التقديم يبدأ بالحديث عن "الكلمة طائر.. والقلم صياد.. ويري أن الأفكار رزق يسوقه الله إليك.. وأول نصيحة هي أن يقوم القارئ بتسجيل أي معلومة أعجبته أو ألهمته فكرة أو خطة عمل.. ليعود إليها فيما بعد حتي لا ينساها.. ففي دورات القراءة السريعة اليوم ينصح المدربون متدربهم بكتابة فقرات وملخصات للفصول أعلي الصفحات.. كي تساعدهم أولاً علي استيعاب وفهم الكتاب.. وثانياً للاستذكار السريع فيما بعد.. وإذا فعل قارئ ذلك.. فلابد أن يصبح ذات يوم مؤلفاً.. أو هكذا فعل كريم الشاذلي.. الذي له في المكتبات العديد من المؤلفات وكلها تنتمي إلي عالم الشخصية الساحرة.. والطريق إلي المجد والنجاح في الحياة
نقلا من جريدة الجمهورية بتاريخ 10/7/2008
هناك 8 تعليقات:
لست أدري ان كانت المشكلة في جهازي أم في مدونة (حضرتك)
اما أن أكون أول المعلقين أو لا أستطيع كتابة تعليق .. لذا بحثت عن تدوينة ليست عليها تعليقات كي أستطيع الكتابة
قال صلي الله عليه وسلم (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)
لذا .. جزاك الله خيرا
أخي الكريم .. حقيق عليك أن تشكر ربك وتحمده حمدا كثيرا .. أنت في نعمة يغبطك عليعا كثيرون.. منهم أنا
بالنسبة لآخر تدوينة .. أعتقد أننا نخلط كثيرا بين التسويق لأنفسنا و ذواتنا وبين التسويق لأفكارنا والمنهج الذي نحمله
لذا قد يدخل الينا الشيطان من باب أننا حين نعرض بضاعتنا بصورة حسنة أو نمدح فيما نحمله انما نفعل لك لحظ نفس .. وأننا ان كنا مخلصين .. فستروج بضاعتنا دون لحاجة الي الاهتمام بالتسويق
وبذلك نكون قصرا في الأخذ بأحد أهم الاسباب
جبر الله تقصيرا جميعا ..ووفقنا الي كل خير
أديبتنا الكبيرة المبدعة أم يحيى .. حياك ربي وبياك ...
أكرمك الله على كلماتك وأتفق معك فيما ذكرتيه ، فحري بالمسلم أن يئد حق نفسه في سبيل إعلاء حق االمبدأ والقيمة التي يدعوا إليهما ..
بوركت .. وبورك مرورك الطيب
kareem .. Keep Going .. Rabnaa ma3ak begad
أخي كريم,,أشكرك على أنتقائك الموّفق لمواضيع كتبك, لو سألوا فئة الشباب عما هم بحاجة فعلية له ليعينهم في رحلة الحياة, لأتت الإجابة ( إن ما يقدمه لنا الأستاذ كريم و من شابهه في الطرح ؛هو ما يبقي شمعة الأمل متقدّة في أنفسنا , إنه يمنحنا مجاديف نسّير بها قواربنا في بحر الحياة . وفقك الله وفي انتظار المزيد من إبداعك الفكري لتساعدنا في فهم و الحياة العصرية وتعلمنا التكيف معها بل و كيف نذلّل صعابها.
طاهرة الروح
كتاب رائع و هذا الكتاب يشبه إلى حد كبير كتاب ” هل فات الأوان .. لنبدأ من جديد ” لكاتبه باسل شيخو ومن إصدارات دار القلم بدمشق ، حيث أنه عبارة عن مجموعة من القصص والمواقف التي تحمل رسائل شتى للقارى لا سيما في حقل تطوير الذات ...
أشكرك على طرحك الجميل للموضوع...
رااااااااااااااائع ابدعت اخي الحمدلله تغيرنا 180 درجة ... ... في مجال نقوم بنشر افكارك ؟ ببعض المواقع مع حفظ الحقوق لك ...
اخي رائع ... هذا الكتاب احدث فيي تغير جذري... اشكرك فقد اثر بي
اخي ممكن نشر الكتاب على احد المواقع ؟
الكتاب رائع بما فيه من كلمات وعبارات تشع بقلوب قارئيها من أمل وإشعارات بمستقبل مشرق .... ولكن أتمنى أن يتم نشره بأحد المواقع الالكترونيه .... وشكرا
إرسال تعليق